كتب- حسام حسن

بعد رحيل مبارك في 11 فبراير 2011، اثر 18 يوم من الثورة والغضب، أطلق قطاعا عريضا من المصريين العنان لأحلامهم، وظنوا أن الغد سيكون حتما أفضل، وأن مصر تستحق رئيسا واعيا ورشيدا وملما بمشاكل الوطن، وقبل كل ذلك؛ معايشا لآلام وأنين المواطن في ظل تسلط أمني يقابله ارتفاع مطرد في معدل الجريمة، واقتصاد متهاو، وفقر يأكل الطبقة المتوسطة يوما بعد يوم.

ومع مرور أيام المرحلة الانتقالية الأولى، الثقيلة، تحول الحلم إلى احباط تدريجيا، وتراكم مشكلا قنبلة من الاستياء جاهزة للانفجار في أي وقت نتيجة للادارة الكارثية للمجلس العسكري، واصراره على الحفاظ على هيكل نظام مبارك السياسي ومصالحه الاقتصادية، وتعنته في تنفيذ اجراءات اقتصادية نادت بها الجموع خلال ثورة يناير، وفي مقدمتها اعادة توزيع الدخل وتحقيق العدالة الاجتماعية، ناهيك عن اصرار بعض القوى السياسية والرموز السياسية على اختطاف الثورة واستغلالها لتحقيق مكاسب شخصية وحزبية ضيقة على حساب احلام وطن بأكمله.

وفي ظل الاحباط والاستياء، طالب عدد من الشباب بالتعجيل بالانتخابات الرئاسية على أمل أن تفرز رئيسا معبرا عن أحلامهم، ورفعوا لافتات مدون عليها "مطلوب رئيس" في سلاسل بشرية جابت العديد من محافظات مصر، وفي هذه الاثناء برز مرشح الرئاسة حمدين صباحي بشعاره الانتخابي "واحد مننا"، الذى لفت الانتباه وشكل حوله نوعا من التأييد، تزايد يوما بعد يوم، نظرا لتاريخ الرجل الذى بدا للوهلة الأولي معبرا عن ثورة يناير وطموحات من شارك بها، وانتماء الرجل لطبقات الشعب العادية التى عانت على مدار عقود من اوضاع اقتصادية وسياسية وأمنية مجحفة.

إلا أن خسارة صباحي للانتخابات وصعود الرئيس الإسلامي محمد مرسي للحكم، اصابت البعض بالاحباط ووفتحت أبواب الأمل في نفوس الآخرين نتيجة لنجاح الشعب في اقصاء الخطر الذى كان يمثله نجاح أحمد شفيق في الجلوس على مقعد الرئاسة.. ولكن الرئيس الإسلامي لم يتصرف كقدوته التى اختارها لنفسه، واقتبس بعد من مقولاتها في خطابه الأول؛ الخليفة عمر بن الخطاب، فاكتسى هو وتعرى قطاع من المواطنين تحت وطأة التراجع الاقتصادي، وظهرت مظاهر الأبهة على هيئته وهيئة معاونيه في حين جاع قطاع أخر من مواطنيه، ولم يثبت في لحظة أنه واحد من فقراء هذا الشعب، ولم يتخذ اجراءات اقتصادية تخفف من معاناته، بل لم يشاركه هذه المعاناه أو يظهر قدرا من الحرص على القضاء عليها.

وبعد عام من المعاناة، انتهى بعزل مرسي على يد المؤسسة العسكرية، وبعد أن أصبح شعار "واحد مننا" كلام انتخابات نتيجة لمواقف السيد صباحي التى أظهرت قدرا كبيرا من الانفصال عن الكتلة الديمقراطية التعددية التى اشعلت شراراة الثورة، فضلا عن حرق وتعرية الغالبية العظمى من الساسة المصريين نتيجة لمواقفهم السيئة والمتواطئة تارة والبعيدة عن أهداف الثورة تارة أخرى، برز نجم قائد الجيش عبد الفتاح السيسي، كشخص وجد قطاع المصريين فيه "بطل مراهقتهم"، والرجل القوي القادر على حكم البلاد.

ولكن الرجل، الذى يعد المحرك الأساسي للبلاد منذ يوليو الماضي، اظهر طوال خطاباته قدرا من الكلمات المعسولة والمبالغ فيها، التى اعجبت هذا القطاع من المصريين، إلا أنه لم يقدم شيئا جديدا عن حكام الثلاث سنوات الماضية، بل ازدات القبضة الأمنية وتحولت المدن الرئيسية لمدن اشباح تحت وطأة حظر تجوال لم يجلب الأمن، وتصاعد معدل الهجمات الإرهابية بشكل كبير، وبرز القمع الأمنى للأصوات المعارضة، واستمرت حالة التهاوى الاقتصادي، وما ترتب عليها من خلق قطاع من المطحونين الجدد، نتيجة للاضرار الاقتصادية لغلق السكك الحديدية وحظر التجوال، بالاضافة إلى الهياكل الاستبدادية التى ترسخ اقدامها على الأرض يوما بعد يوم.

.................

وبعيدا عن ما اسميه "أزمة الساسة" التى تعانيها مصر، برز ساسيين جدد في دول العالم، يعتنقون مشاكل مواطنيهم، ويعبرون عنهم حق تعبير، ولأ يغرقون في "مظاهر المناصب" التى تفصلهم عن الشعب. ورغم أن هذا الجيل الجديد من الساسة لم يحوز بعد مناصب كبرى إلا أنه يحصد تأييدا كبيرا.

ومن بين هؤلاء الساسة الجديد، عمده مدينة "ميسينا" الإيطالية، ريناتو أكورينتي، الذى تعود أن يتفقد أحوال مدينته "حافي القدميين" (مراعاة للفقراء)، مرتديا قميص لحركة "اديدو بيتسو" المعادية للمافيا، مدون عليه عبارة "الأحرار لا يدفعون مقابل مادي للحماية"، ويلقب نفسه دائما بـ"رجل الناس".

 وأكورينتي، أو كما يسميه مواطنيه "البابا فرانسيس الثاني، نصب عمدة للمدينة، المقدر تعدادها بربع مليون نسمة، في 24 يونيو الماضي، ويعمل مدرسا للتربية البدنية، ولا ينتمي لحزب سياسي، لكنه خاض انتخابات البلدية كعضو في حركة للمواطنين تحت شعار "فلنغير ميسينا وننتشلها من القاع".

وتعود العمده الاستثنائي على المشاركة في كل المناسبات الشعبية، موجها حديثه للمواطنين "أنا رجل الناس"، و" المستقبل ممكن في ميسينا، ويمكن أن نكون أقوى فقط ونحن معا"، ويتبادل مع الحاضرين الاحضان في ود شديد، دون أي اجراءات أمنية.

وانتخاب رجل مثل أكورينتي، الذى يعد نموذجا للحكم في ايطاليا التى يغرق ساستها في الفضائح والترف، حاكما لتلك المدينة الفقيرة، يعد نقلة كبيرة في ميسينا التى تعتبر موطنا لمبدأ "السياسة طريق للإثراء الشخصي" (قبض على زوجتي الحاكمين السابقين في يوليو الماضي بتهمة اختلاس أموال الحكومة). فضلا عن أن عصابات المافيا ترى في المدينة مكانا لالتقاط الانفاس واعداد الجرائم الكبري في ظل التضييق الذى تعانيه في مدن أخرى، كباليرمو.

.......

إذن بامكاننا الحصول على سياسي بمواصفات انسان، يعد ويوفى، ويشعر بالناس، ويعمل من أجلهم، يرسخ لعلاقة جديدة بين الحاكم والمحكوم بعيدة عن القمع والاستعلاء والاستغلال، ويهدم نموذج "الرئيس الدكر" التى سيطرت على عقول المصريين في الآونة الأخيرة، فلنتريث قليلا ولا نندفع في حملات صنع فراعنة جدد، والبحث بيننا عن ذلك السياسي الحقيقي.

shababwenos

شباب ونص - مجلة ثقافية وشبابية

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 763 مشاهدة
نشرت فى 30 أكتوبر 2013 بواسطة shababwenos

ساحة النقاش

Shababwenos

shababwenos
بنفكر في اللي بتفكر فيه، وبنقولك اللي محدش مهتم بيه.. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

3,524,535

ما الطريقة السليمة لغسل اليد؟