كتب_محمد حسن عامر:
تعرضت بلادها لواحدة من أكبر المظاهرات الشعبية في العالم التي تجاوزت الملايين؛ احتجاجا علي سياسات الانفاق علي بطولة كأس العالم للقارات؛ وما ارتبط بها من رفع لتعريفة المواصلات، رفضها المواطنون في تظاهرات دعا إليها مجموعة من الشباب صغير السن عبر الانترنت، بدأت سلمية الا أن اعمال العنف انتابتها اشتباكات الشرطة مع المتظاهرين، وأعمال سلب ونهب لكن حكمتها ورؤيتها كانت أقوي من نيران الاشتباكات وحجم المسروقات.
اتحدث عن "ديلما روسيف" عن رئيس دولة تشهد انجازات اقتصادية كبيرة وضعتها علي سلم الدول الاخذة في التقدم ومن أهم الاقتصاديات الصاعدة، اضافة الي نظام ديمقراطي بدأ بماسح الأحذية "لولا دا سيلفا"، رئيسا للبرازيل ، الا ان هذا لم يمنع المواطنين من التظاهر والخروج في مظاهرات كبيرة ضد "روسيف" في مشهد دوما ما يساء تقديره في أغلب البلدان المتجهة نحو الديمقراطية وخاصة في دول الجنوب.
آخذ هنا ثلاثة تصريحات لـ"روسيف" علي الأحداث:
التصريح الأول لـ"روسيف": كان عقب اندلاع المظاهرات، وقالت فيه إنها " فخورة" بعشرات الآلاف من المتظاهرين الذين خرجوا في مدن عدة في البلاد للمطالبة بتحسين التعليم والمدارس ووسائل النقل، ان الحكومة تستمع إلى الأصوات الداعية إلى التغيير، البرازيل استيقظت دولة قوية ، وحجم المسيرات التي شهدتها دليل على متانة ديمقراطيتنا، من الجيد أن ترى عددا كبيرا من صغار السن والبالغين، الحفيد والأب والجد، الكل يحمل العلم البرازيلي ويردد النشيد الوطني من أجل وطن أفضل".
التصريح الثاني لـ"روسيف": حين خرجت في خطاب الي شعبها تدعو فيه الي إقرار ميثاق وطني لتحسين الخدمات العامة، ووجوب مكافحة الفساد. وقالت في خطابها "سوف اتحدث الى رؤساء باقي السلطات لكي نضافر جهودنا، وسوف ادعو حكام ورؤساء بلديات المدن الكبرى للاتفاق على ميثاق كبير بشأن تحسين الخدمات العامة، وخاصّة النقل العام بنوعية جيّدة واسعار عادلة، والصحة والتعليم".
<!--[endif]-->التصريح الثالث لـ"روسيف": بعد مرور أكثر من شهرين علي انتهاء المظاهرات المضادة لها، كان خلال تدشينها مشروع سكك حديدية في مدينة "بورتو إليجيري"، التي ستستضيف خمس من مباريات كأس العالم لكرة القدم العام المقبل، إن "النقل العام هو لجميع الطبقات الاجتماعية وهدفه جعل الضواحي أماكن أفضل للعيش"، معبرة عن دعمها للمطلب الرئيسي للمحتجين .
وثمة ملاحظات أظنها بحاجة الي القراءة الجيدة:
أولها أن "روسيف" خرجت مخاطبة المواطنين وتعبر عن فخرها بديمقراطيتهم، محتضنة لمطالبهم، وبنبرة هادئة. لم تقل "روسيف" متعجرفة أن "اصابع خارجية رافضة لتقدم البرازيل تعبث فيها"، لم تتحدث روسيف "عن 7،6،5،4 في "الحارة المزنوقة" أو "عاشور بتاع ساوباولو" أو "فودة بتاع ريودي جانيرو"، أو "الراجل اللي بيأجر بلطجية في برازيليا". لم تتحدث "روسيف" عن مؤامرة تدبر لها، أو ثورة مضادة مثلما فعل الدكتور محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب لمصر.
وثاني الملاحظات أن "روسيف" بعد ان تراجعت عن قرار رفع تعريفة الحافلات، دون مكابرة أو حديث "سنمضي قدما" ودون توزيع الشتائم علي أحد، وضعت خطة تتناول مطالب المتظاهرين متمثلة في "الميثاق الوطني". خطتها لم تقتصر علي الحاضر؛ أي المظاهرات المطالبة بتخفيض تعريفة الحافلات بل ذهبت الي أبعد مما طلبه المواطنون، من خلال اصلاح كافة المشاكل في كافة قطاعات النظام في البرازيل. وكانت وسيلتها "الميثاق الوطني" وكلمة الميثاق تعني التوافق والاتفاق بين الجميع، ومشاركة الجميع في عبء هذا الاصلاح، علي عكس ما فعله تماما أول رئيس مدني منتخب لمصر.
وثالث الملاحظات أن روسيف بعد شهرين من الاحتجاجات تخرج في مشروع سكك حديد "بورتو أليجيري" لتؤكد انها تدعم مطالب جميع المواطنين، وان المشروع سيكون خدماته متاحة للجميع، لجميع الطبقات الاجتماعية. وكأنها تقول أنني حينما تحدثت عن خطة لاجابة مطالبكم لم يكن مجرد كلام مستهلك لتجاوز الأزمة وللدعاية الكاذبة، وانما حقيقة ملموسة علي الأرض. ايضا لم يفعل هذا أول رئيس مدني منتخب لمصر. أول رئيس مدني منتخب لمصر، كم اصطدم بكلماته مع الجميع، وكم قدم من وعود لم يحقق اي شئ منها وعلي رأس هذا خطة المائة يوم، ومشروع النهضة، والاعلانات الدستورية، وصياغة الدستور، وصداما مع الداخل والخارج، مكتفيا بمشروع الأخونة والتمكين.
تعالوا ننظر الي النتيجة والفارق بين "مرسي وروسيف":
<!--[endif]-->أظهر أحدث استطلاع للرأى، أن روسيف زادت شعبيتها بنسبة 6% عن أدنى مستوى وصلت إليه عقب احتجاجات شهر يونيو. وارتفعت نسبة الأشخاص الذين ينوون التصويت لها فى انتخابات العام المقبل إلى 5%. ووفقاً للاستطلاع فإن 30% فقط من البرازيليين رأوا أن إدارة روسيف جيدة فى يونيو الماضى، وهو أدنى مستوى وصلت إليه شعبيتها، لكن هذه النسبة ارتفعت إلى 36% بعد أن كانت 65% فى مارس الماضى وتراجعت بسبب الاحتجاجات لكنها تتحسن مجددا. وعبر 35% عن نيتهم التصويت لها فى الانتخابات المقبلة بزيادة 5% بعد آخر استطلاع للرأى. وأشار الاستطلاع أيضاً إلى تراجع نسبة المؤيدين للاحتجاجات ضد روسيف، فرأى 49% أن هناك نتائج إيجابية أتت بعد الاحتجاجات، بعد أن كان 65% يرون عكس ذلك فى آخر استطلاع للرأى.
أما الدكتور "محمد مرسي" فأظنك، عزيزي القارئ، أكثر قدرة مني علي قراءة وملاحظة النتائج.
خلاصة القول:
هذه هي ديمقراطية "مملكة البن"، ما أود أن أقول في نهاية مقالي، ان "الأزمة ليست في وصول من يتولي عملية صنع القرار في الدولة سواء اكان حاكما، او في مناصب أقل عن طريق الصندوق ان يفعل ما يحلو له هذه واحدة". وثانيا أن علاقة الحاكم بمحكوميه تتوقف علي الطريقة التي يدير بها الأزمة، وان الاحتجاجات لا تعني أنها امرا سلببيا طالما أنها وجدت من يجيد التعامل معها، بل انها قد تكون وسيلة لتعزيز الشعبية والشرعية وانظروا الي روسيف . هي التغذية العكسية لأي نظام، الأخير بجب ان يعلم أنه وصل بالصندوق ومهمته الحفاظ علي رضاء المواطنين، وتلببية حاجاتهم. بالتأكيد ان لكل بلد ظروفه ولكن ما هو مؤكد ايضا أن هناك قواسما مشتركة بين البشرية تصلح للتعلم لمن أراد.
ساحة النقاش