المسيح و أبي

كتبت_ نيره مصباح

في عمر السابعة سألت أمي: من يا أمي يكون المسيح؟
قالت: هو رجل طيب القلب، سمح الخلق، داع للسلام.
قلت: و ماذا يا أمي يكون السلام؟
قالت: السلام هو الخير، و الحب، و مساعدة الناس دوما.
فكرت أنا: كم يشبه هذا المسيح أبي! و ترسخت في ذهني صورة المسيح مطابقة لصورة أبي.
في عمر التاسعة، طلبت منا المعلمة قبيل أعياد الميلاد أن نرسم المسيح. كنت رسامة ماهرة، أتمتع بخيال واسع و أعشق الألوان. أخبرتنا المعلمة بأنه هناك ثمة مسابقة هذا العام، و هناك جائزة قيمة تنتظر الفائز بالمركز الأول. كنت دوما و لازلت من محبي الجوائز. رسمت المسيح كما أتخيله:  طويلا، نحيلا، ذي بشرة قمحية و شعر مجعد كثيف متشابك الحلقات، تماما كأبي. حول المسيح رسمت صلبانا خشبية و ورودا و نباتات خضراء و شموس. سرت بخطوات ثابتة واثقة من فوزي متجهة ناحية المعلمة لأسلمها الرسم.
قالت هي: من هذا؟
قلت: إنه المسيح.
قالت: هذا بالتأكيد ليس المسيح. المسيح كان رجلا أبيضا ذي شعر ذهبي ناعم.
قلت في حنق: و ما أدراك؟ لا أحسبك رأيت المسيح يوما. لست مسنة بهذا القدر!
نعتتني هي بالوقحة، و أضافت: أخشي أنك لن تتمكني من الاشتراك بالمسابقة هذا العام.
عدت إلي مقعدي حاملة "مسيحي" شاعرة بخيبة أمل جمة. في نهاية اليوم تم اعلان الرسم الفائز، كانت فتاة محدودة الموهبة عمياء الطاعة للمدرسين و المدرسات، كنت أمقتها إلي حد ما. وقفت الفتاة سعيدة و هي تمسك بفخر برسمها السخيف، و في الرسم يبدو رجل نحيف أبيض بشعر أصفر  يتدلي علي جبينه.
بعد انتهاء اليوم الدراسي، عدت إلي بيتي، دخلت غرفتي، أخرجت الرسم و ظللت أتفحصه، لازلت أراه رسما جميلا و واقعيا جدا. قلت  مقبلة الصورة: لا بأس بك مسيحا. أحضرت لاصقا و علقت الصورة علي الحائط المجاور لفراشي.
مرت السنين و أصبحت أما لكن لا زال لدي هذا التشوش الجميل و التداخل الرائع بين صورة المسيح و صورة أبي، لا زلت لا أدري حقا إن كان المسيح هو أبي أو أن أبي هو المسيح.
اليوم سألتني ابنتي: كيف يكون شكل المسيح يا أمي؟
قلت لها بلا تردد: هو تماما كما تتخيليه أنت.