المياة الأفتراضية وتحديات العوز المائى

إيمان زهران

 السائد العام وكافة التقارير الدولية دائما ما تعلن أن العالم فى مواجهه أزمة بيئية متزايد أبعادها خاصة فيما يتعلق بالمياة وأنخفاض معدلاتها على المستوى العالمى مرورا بأزمة التغيرات المناخية وما تحوية تلك الازمة من ابعاد مضادة موجهه لمعدلات المياة

 المياة ليست فقط اشكالية تهدد الامن الداخلى للدولة وأمن الغذاء لشعب ما ولكن المياة يندرج ضمن سلسلة الصراعات المتوالية فى المنطقة الاقليمية العربية على مستوى محدود وعلى المستوى العالمى خاصة حينما يتعلق الامر باستثمارات أقتصادية وما يترتب عليها من أولويات أجتماعية تضمن الأستقرار الداخلى الدولة وقوتها التفاوضية خارجيا.

المياة فى أى دولة يمثل إحدى المحددات الهامة المؤثرة على الأمن القومى للدولة سواء الداخلى او الخارجى ؛ وعند النظر الى الحالة المصرية وأنها كون منظومة حوض نهر النيل نجد أن التحدى المواجه للدولة يتمثل فى الجفاف وهو ما يمثل الهاجس البيئى خاصة وأن منطقة حوض نهر النيل يسودها مشاكل بيئية تتمثل فى كونها منطقة جافة او شبه جافة .

وهناك اتفاق عام بين عدد من المتخصصين فى الشأن المائى أن تلك المنطقة تعانى من فقر مائى بالمفهوم الاقتصادى بمعنى عدم توفر الموارد المالية اللازمة لتشييد البنية الأساسية ذات الصلة  لنقل وتخزين وتوصيل المياة ؛ أضف الى ذلك حالة العجز المائى المتنامى فى منطقة جافة تنذر بصراعات سياسية بمفهوم الـ soft power  او ما يعرف بالقوى الناعمة  وهو استبدال الصراعات المسلحة والعسكرية الى صراعات بيئية ونزاعات لتقسيم الموارد ؛ خاصة حينما يكون المورد اساس للبقاء كالمياة والذى ينقلنا بدورة الى أزمة أخرى تعانى منها العديد من دول الشرق الأوسط ودول شمال افريقيا .

المياة الأفتراضية أو virtual water ظهرت كمصطلح علمى سياسى مساند لقضية المياة وطارح لعدد من السيناريوهات المضادة للحرب المائية خاصة فيما يتعلق بإهتمامة بالمنظور الغذائى فى إطار ما يعرف بالتجارة الدولية كألية للتعاون الدولى فى مواجهه الصراع .

     فى إطار مفهوم المياة الافتراضية والذى صيغ فى لندن اواخر عام 1993. نجد ان ذلك المفهوم – استنادا للفكر المائى الإسرائيلى - يمثل فكرة مستمدة من تحليل اسرائيلى على يد جدعون فاشيلزون ، واخرون فى اواخر الثمانينات والذى اشار إلى ان تصدير المياة الاسرائيلية يتم من خلال تصدير المحاصيل ذات الكثافة المائية وهو ما دفع طونى الآن لمحاولة البحث فى المفهوم ومحاولة تدشينة.

   وفقا للمنظور البيئى نجد أنة ينظر للمياة الافتراضية فى إطار هادف للمساعدة فى تنفيذ نهج اكثر ليونة من خلال إدارة الموارد الطبيعية وكذلك توجية الانتاج إلى المناطق التى تكون فيها الظروف الطبيعية هى الأفضل لتحقيق الكفاءة والاستدامة. وهو ما حرص عليه المشروع الاسرائيلى الخاص بالمياة والذى يعرف بمشروع انابيب السلام. كذلك التأكيد الدائم على استخدام استراتيجية المياة الافتراضية لتحقيق التعاون والتكامل فى مقابل الصراع والحروب. ولعل أكثر من حرص على فهم وتوصيف تلك الرؤية الخاصة بالمياة الافتراضية من المنظور البيئى هو "تريتون Terton". وذلك فى كتابة الخاصة بمبادئ الافتراضية عام 2000

    إن فكرة المياة الافتراضية بالاساس تسعى نحو الموقع الأمثل للانتاج وفقا لما يعرف بـ الميزة النسبية  بهدف تلبية الاحتياجات المائية خاصة  لدول الندرة المائية ؛ وهو ما يطبق بالفعل ومنذ القدم وان كان وفقا لمفهوم الصادرات والواردات للمواد الغذائية فى إطار الإعتماد المتبادل .ولكن حاليا فى ظل الأزمة المائية وتفاقمها نستطيع تسمية تلك العملية بتجارة المياة الافتراضية .         ولأن مفهوم المياة الافتراضية ينصرف الى حساب كمية المياة المستخدمة فى انتاج الغذاء. وبالتالى أصبح من الضرورى على الدول ذات المناخ الجاف أن تسعى لتحديد استراتيجيتها الزراعية.ومن ثم تظهر مميزات المياة الافتراضية خاصة عند تطبيقها فى اطار التقديرات الخاصة بالمياة العالمية للمنتجات الزراعية والغذائية. ومما لاشك فيه ان الأثر الأكثر مباشراً للمياة الافتراضية يتمثل فى مدى التوفير للبلدان او المناطق ذات الجفاف او الندرة المائية واردات عالية من المنتجات الزراعية وذلك ما يتم على نطاق واسع من خلال الدراسات الخاصة بالمياة الافتراضية.

    فعلى سبيل المثال عندما تستورد دولة ما حوالى 5.2 مليون طن من الذرة خاصة وأن نسبة المياة الافتراضية من الذرة بحوالى 1.12 كم وبالتالى هذا يمثل توفير المياة بنسبة حوالى 5.8 مليارم من المخصصات الوطنية للمياة أى بنحو 10%. ومن ثم فإن مفهوم المياة الافتراضية  ينصرف بدورة فى إطار ما يتعلق بأزمة الغذاء ان الدول ذات الشح المائى عليها استيراد المنتجات الغذائية من الدول ذات الوفرة المائية وذلك حتى تحدث نوع من التوازن ما بين مواجهة ما يعرف بأزمة الغذاء وكذلك مواجهة حالة الشح أو الندرة المائية وتأثيراتها المختلفة من حالات عدم الاستقرار .  

لذا لتقديم تقييم شامل لإدارة المياة فى إطار فكرة المياة الافتراضية فمن الواع ان مفهوم المياة الافتراضية يوصف على انه ادارة عملية يمكن ان تكون سياسية تهدف إلى تحليل للسياسة الخاصة بالرى وقضايا التجارة الدولية سواء بالاستيراد او التصدير لأى سلعة خاصة المنتجات الغذائية. ومن ثم لابد من تقييم المياة الافتراضية بشكل صحيح من حيث القيمة والوقت الزمنى . وهو ما يحاول المتخصصين بيانه خاصة وأن مفهوم المياة الافتراضية ذو روابط متشعبة بين القطاعات التى تدور حول تحقيق الضغوط على الموارد المائية وضمان الأمن الغذائى وتطوير الأسواق العالمية والاقليمية للمياة فى ظل التساؤل الدائم  حول مدى إسهام المياة الافتراضية فى حل النزاعات أم انها تتسبب فى زيادة حدة التوتر واحتمالات الصراع بالنسبة لتلك البلدان التى تعتمد على التجارة وكيف يمكن ان نضمن تجارة عادلة للمياة الافتراضية .