كتب / خالد عيد

ذات ليلة شتاء مقمرة ، وفى صحراء جرداء نائية ، بلا احد الا من بقعة تتوسطها ، وتتكون تلك البقعة من عدة اشخاص يجلسون فى حلقة دائرية يتوسط فى مركزها اناء من نار صفراء لاهبة ، وجلسوا يتسامرون . كانوا بالتحديد تسعة اشخاص .

توقفت دفة الحديث بينهم عند موضوع معين ، ملىء بالجدال وبالاراء المختلفة والمتناقضة ؛ فكان حوارا مثمرا ، وكان الموضوع من وحى اناء النار الذى بينهم ، وهو يتمثل فى رأى ورؤية كل واحد منهم عن الشخص الذى له الأولوية والأحقية _ فى نظرهم _ دون غيره ، فى السقوط الى الهاوية .. الى النار .

فكانت وجهات نظرهم تختلط اضطرامها مع النار الموقدة بينهم .

الشخص (1)

قال وهو يرمق الجالس امامه ، انه القاتل ، فى رأيي ان القاتل هو احق شخص بالنار ؛ فهو بمثابة من يحارب الله ، قانون الله فى الارض ؛ فهو من يبث الروح فى الجسد ، وهو ايضا الذى _ وقتما شاء _ يسلبها ، لكن القاتل الفاجر متحد لله ولارادته ؛ ولذلك ينبغى ان ينال هو سوط النار اولا .

الشخص (2)

قال بأشمئزاز وهو يرمى بنظرة ازدراء للجالس يمينه : انا اعتقد ان احق شخص قذقا فى النار هو المنتهك للجسد ؛ الزانى ، فهو الملعون من الله ، فمثلما ان للروح حرمة ملك الله ؛ فللجسد ايضا حرمة لا يجب ان تؤخذ عنوة كان او بالارادة ، ما لم يدخل فيها قانونا شرعه الله بالحلال ، فهى ليست بالهوى ؛ ولذلك فمثلما ذاق متعة الجسد دون حق ، فلابد فى النهاية ان يتذوق ألام النار ، بالحق .

الشخص (3)

قال بعد ان جال ببصره للجميع :

وما رأيكم فيمن يفقد شيئا غاليا وعزيزا فيضحى معذبا جريحا يتلوى ألما ويحترق قلبه بنار الشىء المفقود منه ، ألا يكفى ذلك العذاب _ الذى يظل ممتدا لاوقات بعيدة _ لعقاب المتسبب فى فقد هذا الشىء المسلوب من صاحبه ؟ .. رمى من امامه بنظرة نارية ثم استأنف : انه السارق يا سادة ؛ اللص الذى لا يرحم ، اللص الذى لا تفرق يده الملعونة بين ثريا ومعدوما ، غنيا او فقيرا ؛ فتمتد يده الشيطانية _ بدون شعور او احساس او ماتبقى من ضمير لايزال يؤنبه _ الى ما ليس له ، الى البنوك ، البيوت ، الجيوب ، والى كل شىء لا يملكه ؛ فينهبه ، يغتصب الحقوق ، أفلا يحق لمثل هذا الكائن ان يزور النار ؟

الشخص (4)

قال بارتياح وبرود وهو يثبت نظره لعينين الكائن الى يساره :

من يتلون ، من يخادع الناس ويظهر لهم بعدة اوجه وكأنه يبدل اقنعة عديدة يحملها فى حقيبته دوما ، كل وجه مختلف عن الاخر ، من يجمل القبيح ، ويقبح الجميل ، لعنه الله والرسول فى الكتاب والاحاديث ؛ انه المنافق ؛ اخطر الاشخاص على الاطلاق ، بمرور الوقت يتسبب فى حدوث كوارث هائلة وخسائر لا طائل لها ، يعيش دوما كالحرباء ؛ تتلون مع كل موسم حتى تنهى مهمتها ؛ فيجىء الدمار ويعم الشر ؛ اذن فمن المنصف ان يرتمى مثل هؤلاء الى قاع النار دون رأفة .

الشخص (5)

لفظ بينما يحدق للرابض فى وجهه باحتقار بالغ :

صديق الشيطان ، مختلق الشائعات ، ناهش اللحوم الحية ؛ انه الكذاب ، عدو الصدق والحق ، ناصر الباطل ، حديثه دائما هو باطل يراد به حق ، فى كل الصراعات لابد ان يكون له الدور الاعظم والنصيب الاكبر ؛ فكذبة صغيرة بمرور الوقت تتشكل وتتحجم لتصبح كارثة كبرى من الممكن ان تتسبب فى قتل ابرياء ؛ فالكاذب مكانه الاصلى يا اعزائى ليس معنا ، وبيننا ؛ وانما مع امثاله فى النار .

الشخص (6)

قال موجها كلامه للجميع وبطريقة مسرحية اردف :

نتعامل مع شخصية اراها من احط واقذر انواع البشر على الاطلاق ، شخصية سيئة السمعة كلما حلت على الاذهان ، مكروه بين الناس ، ثم حدق فيمن يجلس بجواره مباشرة ثم استطرد ؛ انه الفتان ، يملك مكر ودهاء الثعالب ، وخبث الثعابين ، الفتنة فى دمه ، وهى من ابشع الجرائم التى لا يحاسب عليها القانون ، هى التى قال عنها الرسول الكريم : '' الفتنة اشد من القتل '' ؛ فأذن اوجب ان يقذف _ هذا الفتان _ اسفل قيعان النار .

الشخص (7)

قال والمرارة تغلب عليه بينما يلقى بنظرة ازدراء قوية لكائن يجاور من بجواره 

من مارأيكم فيمن يتحكم فى المصائر والنفوس ، من يأمر فتنفذ اوامره بلا نقاش او استفهام ، من يعدم الحقوق ؛ الظالم ، يحرق اشخاصا ، ويعذب نفوسا جميعهم تحت بند المظلومين ، وكما يختم الظالم تأشيرة الجحيم للمظلومين ؛ فمن العدل ان يكون هو اول من يختم له بتلك التأشيرة ويلحق بهم .

الشخص (8)

بنبرة مستهزئة مستخفة قال : كما بنيتم احكامكم على الاشخاص الذين يستحقون النار بناء على قوانين الله وكلامه ، وبالتالى ايمانا بوجوده فى الاصل ، فما بالكم بمن ينكر وجود الله _ والعياذ بالله _ من الاساس ؟ .. ارتبك الجميع حتى اكمل وهو ينظر شذرا الى الكائن بجواره : نعم فأذا كانت النار هى نتيجة من يقتل ، ومن يسرق ، ومن يكذب ... ، فما هى اذن نتيجة من لا يؤمن ؟! ... الملحد . كلكم ذكرتم الله فى احاديثكم ؛ وانما الملحد هو الشخص الوحيد الذى لا يؤمن بالله ولا يعتقد بكلامه ولا احكامه ... ، فهو يرى كل شىيئا مباحا لانه _ فى اعتقاده _ لا يوجد من يحاسب ، من يعاقب ، لذا فهو _ فى نظرى _ الاحق بالردع ونزول النار دون غيره .

الشخص (9)

قال بسخرية بعد ان هب واقفا :

كلكم اصدرتم احكامكم وقررتم من الاحق بالنار دون غيرها ، وحددتم من له الاسبقية فى ذلك ؛ فأنا فى رأيي ان احقية النار هى لمن يظن اصلا انه بمقدوره ان يقرر من سيلقى فيها من عدمه ، ويصدر احكامه على البشر ، اى من يظن نفسه يتحدث نيابة عن الله _ حاشا لله _ ، واذا كان لابد وان يهوى احد الى النار اولا ؛ فلنذهب الى الجحيم جميعا .


shababwenos

شباب ونص - مجلة ثقافية وشبابية

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 978 مشاهدة
نشرت فى 27 فبراير 2014 بواسطة shababwenos

ساحة النقاش

Shababwenos

shababwenos
بنفكر في اللي بتفكر فيه، وبنقولك اللي محدش مهتم بيه.. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,035,644

ما الطريقة السليمة لغسل اليد؟