في أحد مشاهد مسرحية "المتزوجون" الشهيرة، يدور حوار بين جورج سيدهم (سي حنفي) ونجاح الموجي (الواد مزيكا).. الأول شاب متعلم والثاني شاب جاهل.. الأول يسأل: بتفهم في السياسة يا واد يا مزيكا؟، والثاني "يمصمص" شفتيه وبمنتهي الثقة الممزوجة بالتعجب يقول: "أفهم في السياسة؟!!!".. ثم يضع "رجل على رجل" و"يعيش في الدور" ويقول بكل ثقة و"تناكه": "أنا الشعب"!!.

في هذا المشهد المسرحي "السبعيناتي" يلخص "مزيكا" مأساة المشهد السياسي المصري في الوقت الحالي، ليس بما قال وأجاب وأفتى، ولكن بما فعل وتعجب وانتهج.. فالجميع يؤدي دوره منفردا في "تناكه"، ينادي بأعلى صوته: (من النهاردة مفيش شعب.. أنا الشعب)، وفي سبيل ذلك لا مانع أن يمارس طقوس مسرحية بها يتجمل ويخادع.. يصرخ وينتقد.. يهاجم ويدافع.. وحجته أنه يؤدي دوره، ونسى أنه يقف على "المسرح المصري الكبير".. الذي لابد أن يتكامل فيه الجميع ليصفق الجمهور في النهاية..

لكن الجمهور - التائه- لا يصفق أبدا، بعد أن اختلطت عليه الصرخات التراجيدية مع الاشتباكات الكوميدية دون قدرة على تقييم هوية "المَشاهد"، التي أصبحت بدورها سريعة للغاية دون مقدره على استيعابها أو فهمها أو تقييمها، لدرجة أنه أصبح لا يعلم هو يشاهد ملهاة أم مأساة!  

 ففي "المسرح المصري الكبير"، الليلة وكل ليلة في زمن ما بعد الثورة، لا فرق بين ممثل راحل أو حالي.. أو بين من يؤدي دور البطولة أو الكومبارس.. أو بين من يؤدي دور الشر أو دور الخير.. الجميع يؤدي دوره بروح "الواد مزيكا".. "عايش في الدور".

قبل شهور خرج علينا أحد مشاهير الطب النفسي ليقول إن الرئيس السابق "مبارك لسه عايش في الدور"، وبعد تلويحه مؤخرا من خلف القضبان الحديدية لأنصاره رأي كثيرون أنه لا يزال "عايش في نفس الدور"، وفي المقابل يرى آخرون أن الدكتور محمد مرسي عايش في دور أنه رئيس لكل المصريين.. والإخوان المسلمين تعيش في دور "النهضة".. والمعارضة تعيش في دور "الإنقاذ".. والأحزاب الإسلامية تعيش دور أنها مبعوث العناية الإلهية لتطبيق شرع الله.. والليبراليين يعيشون دور الحارس الذي ينذر المصريون بهويتهم في مواجهة المد الإسلامي.. إلخ.

هي المشكلة إذا.. الكل يبحث عن "مشهد" يظهر فيه، ومع الحصول عليه يشعر في قرارة نفسه أنه "البطل" الأوحد المنتشي، فيبدأ في "العيش في الدور" لكي يصدقه الجمهور، لكن الجمهور في "المسرح المصري الكبير" لم يجد إلا من يخرج عن النص، ومن يؤدي دوره دون صدق، ومن يتلجلج ويتلعثم ويتهته، ولم يجد أبدا الممثل المحترف "عريض المنكعين.. شنكول الحركات.. مشرئب الفلنكات..  مستبد الأبعاع.. شلولخ" الذي يتقن دوره!.

----


** المقال لرئيس تحرير شباب ونص

 

 

 

المصدر: شباب ونص
shababwenos

شباب ونص - مجلة ثقافية وشبابية

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1899 مشاهدة
نشرت فى 28 إبريل 2013 بواسطة shababwenos

ساحة النقاش

Shababwenos

shababwenos
بنفكر في اللي بتفكر فيه، وبنقولك اللي محدش مهتم بيه.. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

3,478,517

ما الطريقة السليمة لغسل اليد؟