كتب_ أنس رأفت
تقع أوكرانيا اليوم بين مطرقة روسيا وسندان الاتحاد الأوروبي، خاصة وأن 80% من بضائعها تصدر إلى روسيا أو عبرها لدول الاتحاد السوفياتي السابق، ويري المتظاهرون أن فتح أسواق جديدة في غرب القارة الأوربية خطوة ضرورية ومهمة على طريق انضمامها لعضوية الاتحاد الأوروبي.
واعتبر بعض الخبراء الأوكرانيين أن انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الجمركي الأوراسي سيكون أضمن لاقتصادها باعتبار أن دول هذا الاتحاد من أكبر مستوردي البضائع الأوكرانية. و ستكون أوكرانيا مضطرة بعد توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي للتحرك في إطار اتفاقيات سابقة لم تشارك في وضعها وتكون ملزمة بتطبيقها رغم الأضرار التي ستسببها، وذكر ضمن هذه الأضرار إغراق السوق بالبضائع الأوروبية الرخيصة، وتراجع الطلب المحلي والخارجي على البضائع الأوكرانية.
وفي المقابل، فإن أوكرانيا تحاول تقليل اعتماد اقتصادها على روسيا، وربطه أيضا بأوروبا وتركيا ودول العالم العربي حيث كان واضحا خلال العام الجاري محاولة أوكرانيا لتخفيض وارداتها من الغاز الروسي إلى الثلث، وزيادة واردات الغاز الأوروبي، وذلك لأن الغاز الروسي يشكل الحلقة الأبرز في علاقات كييف الاقتصادية مع موسكو.
و جدير بالذكر أن معظم واردات اوكرانيا من إمدادات الطاقة وخاصة النفط والغاز الطبيعي، تعتمد إلى حد كبير على روسيا كمورد للطاقة. في حين أن 25 في المئة من الغاز الطبيعي في أوكرانيا يأتي من مصادر داخلية؛ يأتي نحو 35 في المئة من روسيا والباقي 40 في المئة من آسيا الوسطى من خلال الطرق التي تسيطر عليها روسيا. وفي الوقت ذاته، يمر 85 في المئة من الغاز الروسي إلى غرب أوروبا عبر أوكرانيا.
ومن المتوقع استمرار روسيا باستعمال ورقة الجمارك خلال الفترة المقبلة، للضغط على اقتصاد أوكرانيا وثنيها عن توقيع الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي، وتوقع بلوغ خسائر الاقتصاد الأوكراني 2.5 مليار دولار إذا ما استمرت عراقيل الجمارك على الحدود حتى نهاية العام الجاري.
وقد أعلن الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش أمام الدبلوماسيين الأوروبيين أن الاتفاق مع الاتحاد الأوربي سيكبد أوكرانيا خسارة 500 مليار دولار في التجارة مع روسيا، كما أن تبني المعايير القانونية وغيرها للاتحاد الاوروبي سيكلف أوكرانيا 104 مليار دولار أخرى.
وهكذا فإن الضغط الذي مارسته موسكو كان كبيراً . فالقيود التجارية الروسية على السلع الأوكرانية المستوردة، وتشديد الرقابة الجمركية على الحدود، والتهديدات الروسية الصريحة باتخاذ إجراءات أخرى، كانت سببا لإثارة القلق العميق لدى الطرف الأوكراني، إن بوتين على استعداد لدفع أوكرانيا الى الإفلاس. وأكبر خطر جدي كان يتمثل في احتمال تكرار ازمة سنة 2009، حينما عمدت روسيا الى وقف إمدادات الغاز لأوكرانيا بسبب الخلاف على الأسعار، ما اثار ازمة نقص حاد في توريدات الغاز لأوروبا في عز فصل الشتاء.
ونتيجة لهذه الأزمة المتفاقمة، تحدى أكثر من مئة الف متظاهر من المعارضة الاوكرانية قرار منع التظاهر وتجمعوا في قلب العاصمة كييف منددين بقرار الرئيس فيكتور يانوكوفيتش عدم توقيع اتفاق الشركة مع الاتحاد الاوروبي.
وبالتالي أصبحت أوكرانيا ممزقة بين التقارب مع الاتحاد الأوروبي والإبقاء على علاقات متوازنة مع روسيا التي لا تنظر بعين الارتياح لاتفاق الشراكة التي تعتزم كييف توقيعه مع الاتحاد الأوربي. موسكو تحذِّر الأوكرانيين من أنهم سيفقدون الكثير من الامتيازات الاقتصادية في حال وقعوا على هذه الاتفاقية.
ومن جهة أخري ، فقد دافع يانكوفيتش عن موقفه الرافض للتوقيع على اتفاقية التجارة مع الاتحاد الاوروبي قائلا: "ان الاتحاد ربط المساعدات المالية التي عرض تقديمها لبلاده، والتي تبلغ قيمتها ستمائة وعشرة ملايين يورو بتوقيع أوكرانيا على برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي، اعتبر أن شروطه مهينة وغير مقبولة"
ولكن يبدو أن يانوكوفيتش لا يزال يأمل بالموازنة بين المصالح الأوروبية والروسية. وفي هذا السياق يأتي اقتراحه بإنشاء لجنة تجارية ثلاثية من "الاتحاد الاوروبي ـ اوكرانيا ـ روسيا". كأحد ابرز الحلول المقترحة للخروج من هذا النفق المظلم.
ساحة النقاش