كتبت_ إيمان زهران

للوهلة الأولى من يقرأ العنوان يشعر بالتعقيد وعدم الاستيعاب لتنافر المصطلحات ؛ لكن بحقيقة الأمر التضاد يخلق التكامل بل والكمال المشروط بالرقى الفكرى والفعلى . لذا قبل طرح الفكرة وبيان المضمون حقا للقارئ بيان خريطة مفاهيم محورية للوقوف على معطيات الموضوع .

الإستقراء ؛ اول تلك المفاهيم والذى يعنى ببساطة دون أى تعقيدات فلسفية يعنى مطابقة المقدمات للواقع الفعلى . فالإستقراء بمجملة يمثل عملية فكرية  غير خالصة لا يكتفى من خلالها العقل بذاتة  بل يلجأ لأمور خارجية بناء على قواعد قياسية ملموسة كالملاحظة والتجربة . فيكون الانتقال من خلالة من الجزئيات النثرية للكليات المعرفية الكاملة فى إطار أشبة بالحركة التصاعدية .

عند إقتران مفهوم الإستقراء بالمنطق الجدلى ؛ نجد أنة ينبع من فكرة متابعة الأراء التى وردت حول موضوع بحثى معين ؛ واستنتاج كافة النتائج التى قد  يؤدى إليها كل رأى طرح ؛ ثم مقارنة تلك الأراء بعضها ببعض ؛ ومقارنة هذه النتائج بحقائق يقينية مسلم بها . وبالتالى ؛ فالمجمل العام ان الإستقراء الجدلى يعبر فى محتواة عن طريقة للبحث فى الآراء المتعارضة والتوصل لأرضية مشتركة ما بين ماهو مسلم بية ما بين الأفراد جميعا وتحديد ماهية الإشياء التى يستطيع المتلقى ان يكمل نواقصها إن وجُدت .

بالإنتقال إلى مصطلح " النسق الفكرى " يمثل تاريخا من الفلسفة الإنسانية نابع من عمق بشرى لتاريخ من الأحداث المتصلة والخبرات المتلاحقة ؛ فالنسق قائم على المخزون الفعلى والمتداول ؛ بمعنى أن الأفكار القديمة قد تصلح للوقت الحاضر ومن ثم يتلاشى المكون الزمنى كآلية للتقييم ليتبدل بالنسق المعرفى كمنتج للأفكار ومخرجاتة النهائية على المجتمع .

عند تضمين الإسلوب الإنسانى فى بناء النسق المعرفى ؛ لنا أن نتأمل مقولة  " جوزيا رويس: فى حديثة عن الأفكارفى إطار إنسانى " إن تاريخ الفكر بمثابة مدرسة فكرية إنسانية يتعلم الفرد منها صناعة عملياتة الفكرية بنموذج إنسانى وتزداد قدرتة على تقييم العمل الإبداعى" . بالمقابل ؛ يعتقد " نيتشة" أن الفكرة تمثلت قديما فى صوره الإله ؛ وفى زمن لاحق عرفت بصورة الإنسان ؛ وحاليا صيغت فى صورة وحش يقاتل للمصلحة الخاصة .

الأفكار بصفة عامة ليس بالضرورة ان تحمل الطابع الخير ؛ فكثير منها رغم كون مصدرها الرئيسى الإنسان إلا أنها تشكل فى محتواها آليات سيئة ومضمون شر . ولكن لا يمنع ذلك كونها تصنف كنسق فكرى متسلسل الاحداث والمضمون .

قيمة الإنسان أحيانا ما تقاس بالأفكار التى يعبر عنها ويعلن عن مضمونها ؛ وبالتالى " أى إنسان" يحتاج إلى تكوينات معرفية مختلفة يعبر بدلالتها عن توجهاتة الفكرية . الإنسانية العامة ليست مجردة ولا مفرغة من المضمون العام ؛ ولكن بإتساق الذوات مع الطبيعة الكونية ننتهى إلى منعطف فكرى يحمل فى طياتة روحاً أقرب للكمال المثالى .

ليس من قبيل الجنون والإنفصال عن الواقع المطالبة بالمثالية الفكرية والتى تفضى بنهاية الأمر إلى جوهر الإنسانية. فالإنسانية كإتجاة فكرى يتقاطع فى محتواه العديد من المذاهب الفلسفية والأخلاقية والأدبية والعلمية جميعها تهدف فى محتواها على إعلاء القيمة الإنسانية وترجيح التفكير العقلانى .

ولأن الإستقراء الجدلى فى بناءة للمنظومة الفكرية للإنسان يستوجب له البحث دائما عن كل رأى متعارض مع الأخر بمرونة تامة تهدف التجميع وإعادة الصياغة والوقوف على حقائق مشتركة لا تسخف من الواقع ولا تنال من انسانية الكون .

ولأن الإنسان أختلف فى وصفة العديد من الفلاسفة وتأرجح خطاهم ما بين مشفق على طبيعتة كتوماس مور وكتابة " اليوتوبيا" وأخر ناقم على سوء سلوكة وشيطنة أفكارة كتوماس هوبز ورائعتة " اللوثيان" ؛ إلا أن المتلازمة الإنسانية دائما ما كانت تفضى فى جوهرها إلى تساؤل واحد " كيف نبنى نسقا فكريا صائبا ؟؟ " .

هناك حكمة رومانية قديمة تخلص إلى " حياتك من صنع أفكارك" . فالإنسان بكافة تناقضاتة يعبر عن حصيلة متباينة من الأفكار المترجمة لأفعال وأحاسيس ومشاعر. ولكن لايعفى المرء من ادراكة للسوء وإقدامة علية إما طواعية أو قصرا مثل بناءة للخير وتنسيقة للمنظومة الإنسانية .

بتلك النقطة ؛ لنا أن نقتبس حديث الإمام ابن القيم فى كتابة " الفوائد" حين قال " إن الإنسان لم يُعط القدرة على إماتة الخواطر ؛ ولا القوة على قطعها ؛ فإنها تهجمُ عليه هجوم النفس, إلا أن قوة الإيمان والعقل تعين على قبول أحسنها ودفع أقبحها , وقد خلق الله سبحانة وتعالى الإنسانية شبيهةً بالرحى".

الإنسانية شبيهة ً بالرحى ؛ تأملوا معنى تلك الجملة وحاولوا التفكير فى مضمونها ومخرجاتها والرسالة العامة التى تتبناها . حياتنا الإنسانية ليست ميثالية كما رسمها توماس مور ؛ ولا ببشاعة قوى الشر كما وصفها توماس هوبز ؛ ولكنها " كالرحى" كما وصفها ابن القيم ؛ لك أيها الإنسان ان تحصل على المعرفة من كافة المجالات وتسعى بإدراكك العقلى وحدسك وأهوائك العاطفية لبناء نسقك الفكرى الخاص معتمدا على الإستقراء الجدلى ؛ ببيان كافة الرؤى والأراء حولها وما يتعارض معها وبناء منظومتك الخاصة بما يتوافق تشاركيا مع كافة الأراء وحسابات المجتمع وضوابط الإنسانية والروح الأخلاقية . 

shababwenos

شباب ونص - مجلة ثقافية وشبابية

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1181 مشاهدة
نشرت فى 3 ديسمبر 2013 بواسطة shababwenos

ساحة النقاش

Shababwenos

shababwenos
بنفكر في اللي بتفكر فيه، وبنقولك اللي محدش مهتم بيه.. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,119,494

ما الطريقة السليمة لغسل اليد؟