خطاب على مكتب وزير التعليم...
ثمة فرصة تاريخية قلما يجود الزمان بمثلها في ظروفها المواتية على كافة الأصعدة؛ تلك هي منظومة التعلم عن بُعد، وما توالد منها من المشروعات البحثية المقررة المعادلة لمقرر الفصل الدراسي الثاني من سنوات النقل حتى الصف الثاني الثانوي...
الموضوع لا شك تم تناوله من مختلف زواياه الظاهرة والباطنة، والتي اختلف المجتمع معظمه حولها واتفق بعضهم في بعض إيجابياتها الحالية والمستقبلية... بيد أنني أطرح الموضوع من وجهة نظر مَنْ خبر هذا الميدان مدة ثلاثة عقود، معلمًا في فصول الصف، وفنيًا في تصميم الدرس وتقييمه، ومحاضرًا في ملتقيات المعلمين المتعددة من جهة، وولي أمر لثلاثة من الأبناء من جهة أخرى؛ الأمر الذي يجيز لي تناول الموضوع من زاوية ثنائية الوجهين في آن.
يمكن لنا في البداية الإقرار بحداثة التجربة لنتخذها معيارًا رئيسا عند الحكم على التجربة سلبًا أو إيجابًا، والأمر له عدة من الإيجابيات لا يمكن إنكارها، من تلك الإيجابيات، تفعيل منظومة التعلم عن بعد، والتي أثبتت فعالياتها وقدرات المعلمين الرائعة في تناولها من كافة الزوايا، والقدرة على تفعيل استراتيجات تعليمية هائلة، فضلًا عن رقمنة الآليات التقليدية ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، هذا إلى جانب ما أبداه الطلاب المتعلمون في الاستجابة من التفاعل والتعايش التعلمي وفق ما أتيح لهم من آليات ربما لم ينغصها إلا سرعة النت الذي تحتكره الشركة الرئيسة في مصر، والتي كان ينبغي لها أن تتيح سعة مناسبة مجانية أو منخفضة التكلفة على أقل تقدير لإنجاح التجربة كما يرجى لها.
من أهم تلك الإيجابيات ما أثاره المشروع البحثي لدى الطلاب من فاعلية البحث والتجربة في سياق المعرفة، سيما أن فلسفة المشروع كما أفهمها تقوم على التكامل المعرفي في مواد متعددة من خلال تناول واحد من الموضوعات المرشحة للبحث... والحقيقة التي لا بد من ذكرها هي تنمية مهارات التفكير العليا في صورة أولية تقوم على جمع المادة العلمية من وجهات نظر متعددة؛ ليس المهم تناولها الآن على مستوى أكثر تعقيدا، لكن المهم هو تهيئة المتعلمين للبحث والمعرفة.
ما أفسد هذه الإيجابية إلا حداثتها في الوعي المجتمعي من جهة، واضطراب ساد القرارات المتتالية في تنظيم البحث وصولًا إلى آخر ما تم إعلانه من إجراء امتحان شفهي بعد صيف للطلاب؛ للتأكد من أدئهم البحثي، وعدم الاستعانة بجيوش الظلام من المنتفعين ممن جمعوا المادة البحثية وعلبوها للطلاب في صورة أبحاث جاهزة. غاية الإيجابيات من وجهة نظري هي أنها الفرصة العظمى للقضاء على الدروس الخصوصية تمامًا.
وفي الأخير تبقي لدينا أمنيات لا يمكن إغفالها ربما يأتي أولها إقرار المشروع البحثي في صورة أكثر فاعلية بديلا من الامتحان التقليدي، ثانيها، إعطاء فرصة (يوم أو يومين) من الأسبوع الدراسي لتفعيل التعلم عن بعد وفق ضوابط محددة، ولا شك أن هذا سيخفف مسألة التكدس الطلابي في الفصول، وله من الإيجابيات ما يقصر هنا ذكره؛ أما التساؤلات التي أبلغتها من زملاء وأولياء أمور فهي وجيهة جديرة بالتفكر إليكم أبرزها: كيف سيتم اختبار الطلاب شفهيًا في سبتمبر؟ ماذا سيترتب علي ذلك، وهو الأمر الذي سيتوقف عليه انتقال الطالب للصف الأعلى، أو تحويله إلى مدرسة أخرى، و مسار آخر، فضلا عن عدد من التفريعات الجدلية التي لا مناص منها؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
** د. ممدوح سالم
المستشار اللغوي والفني- المحاضر بملتقى اللغة العربية. عضو اتحاد الكتاب والفنانين العرب.
ساحة النقاش